ـ「الحديث الرَّابع」:
عن همَّام بن مُنبِّهٍ قال : هذا ما حدَّثنا به أبو هريرة ـ رضي ﷲ عنه ـ عن محمَّد رسول ﷲ ﷺ ؛ فذكر أحاديث ، وقال : قال رسول ﷲ ﷺ : « خلق ﷲ آدم علىٰ صورته ، طوله ستُّون ذِراعًا » . أخرجه أحمد والبخاري ومسلم .
الشَّاهد : « خلق ﷲ آدم علىٰ صورته » .
ـ مقصود الباب :
إثبات صفة الصُّورة للَّه تعالىٰ كما أثبتها النَّبي ﷺ لربِّه ـ تبارك وتعالىٰ ـ من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل .
وقوله عليه الصَّلاة والسَّلام : « علىٰ صورته » فالضَّمير في الحديث يعود إلىٰ ﷲ ، قال أهل العلم كأحمد ـ رحمه ﷲ ـ وإسحاق بن راهويه وأئمة السلف : يجب أن نمره كما جاء علىٰ الوجه الذي يليق باللَّه ؛ من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل .
ولا يلزم من ذلك أن تكون صورته سبحانه مثل صورة الآدمي ، كما أنَّه لا يلزم من إثبات الوجه للَّه سبحانه واليد والأصابع والقدم والرِّجل والغضب وغير ذلك من صفاته أن تكون مثل صفات بني آدم .
فهو سبحانه موصوف بما أخبر به عن نفسه أو أخبر به رسوله ﷺ علىٰ الوجه اللائق به من دون أن يشابه خلقه في شيء في ذلك كما قال تعالىٰ : « لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ » الشورىٰ ‹ ١١ › .
فعلينا أن نمرّه كما جاء علىٰ الوجه الذي أراده الرَّسول ﷺ من غير تكييف ولا تمثيل .
وهذه قاعدة كليَّة في هذا الباب عند أهل السُّنَّة والجماعة ، وهي إمرار آيات الصِّفات وأحاديثها علىٰ ظاهرها من غير تحريف ولا تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل ؛ بل يثبتون أسماءه إثباتًا بلا تمثيل وينزهونه سبحانه عن مشابهة خلقه تنزيهًا بلا تعطيل ، خلافًا لأهل البدع من المعطلة والمشبِّهة .
فليس سمع المخلوق ولا بصر المخلوق ولا علم المخلوق مثل علم ﷲ ؛ وإن اتِّفقا في جنس العلم والسَّمع والبصر لكن ما يختص به ﷲ لا يشابهه أحد من خلقه ، وليس كمثله شيء ؛ لأنَّ صفاته صفات كاملة لا يعتريها نقص بوجه من الوجوه .
أمَّا أوصاف المخلوقين فيعتريها النَّقص والزَّوال في العلم وفي السَّمع والبصر وفي كلِّ شيء .
وﷲ وليُّ التَّوفيق .